عدن .. ذكريات لا تعود
يمنات
أحمد سيف حاشد
خور مكسر
– “خور مكسر” التي حملنا إليه رأس السنة بأجنحة الزوغان المجنّح، لنحتفل مع السحاب والملائكة .. التعليم الجوال الذي أجاد إيصال أبجديات المعرفة فيما نجهله .. توتر أعصابنا واشتعال أوصالنا، والحمى اللذيذة التي تجتاح الجسد وكينونته .. العيون المشتعلة بالشوق العاصف إلى الممنوع .. تمرد العيون على المحاجر لساعات طوال، حتى توغل في الرجاء والتمني أن لا يكون للزمان نهاية أو مطاف..
– عيون تحررت من محابسها لترى ماذا يحدث خلف الأبواب المغلقة بالنار والحديد .. الروح الماطرة تلقح الأطيان العاشقة بالبهجة والفرح .. وآهات لم نسمع مثلها من قبل .. الحضور البهي الذي يستعيد توازنه المختل بالجنون، واستعادة آماد الفقدان والغياب المحظور.. الاستقصاء الأول في المجهول طلبا لمعرفة اجتاحتنا كسيل عرمرم .. قشرت الحياء المهشمة والمتطايرة والمُجتاحة بحمم البراكين المسالة من رأس الجبل..
***
حي القطيع
– عدن حي “القطيع” الذي أقتطع بعض من وجودي، ومن خيالي الكثير .. سكنته في الحب متيما، وسكن هو دواخلي ووجداني المحب، وامتد إلى أقاصي الروح وآمادي البعيدة .. لي في حي “القطيع” إلياذة وحياة، لازالت جذوتها تومض في الزوايا المعتمة، لازلت تتوقد في مخابئ ذاكرتي، والوعي الضارب عمقه..
– كم تلظّى الهوى في هذا الحي، وكم في فؤادي شب..؟! كم غلبني خجلي فيه، وكم خاب الظن؟! ولازال الحب الأول آسر .. مات البعض، ورحل الآخر، وما خمد اشتعال دمي .. لوعة تتأجج في أوردتي وشراييني، من ذاك اليوم، إلى هذا اليوم المتخشب وعده، والمتحلل عهده..
– رن اسم “القطيع” وغنّى على مسمعي ما شجى، وكم عزف نياط القلب المتيم بالحبيب .. حي “القطيع” لطالما هزّني الشوق إليه، وأثار فيني كثيرا من شجون الطفولة والصبا، وحرك في أعماقي عاصفة من الحنين والذكريات التي لا تتكرر ولا تعود..
***
دار سعد
– عدن “دار سعد” الذي سكنته في عهد الطفولة الندي، ونعومة الاظافر، ثم سكنته وأنا مراهق ويافع .. دار سعد الوحدة والتنوع .. الفسيفساء الجميلة والحياة العامرة بالتعايش والاندماج .. اليمني والصومالي .. البدوي والضالعي .. الهندي والزبيدي .. الزيدي والوهطي .. الشحاري والقباطي .. دار سعد دار لكل الناس .. يستقبل الجميع ويفتح لهم القلب والوجدان والمنافس .. لا يتأفف ولا يتعالى ولا يرد محتاج..
– دار سعد أعمامي فريد، والحربي، والعم سعيد الكراعين .. الحمادي والقعود وعاشور وحيدره وصلوح وعبد السلام، وربيح وكل الطيبين .. دار سعد شارع الأمل وشارع السلام والبساتين..
– دار سعد مطعم الحمادي، وفول ثابت، والمسبح الذي اختلس إليه، وتمنيت أن أكون فيه سمكة إلى الأبد، أو مسبح عنه الشمس لا تغرب ولا تغيب .. دار سعد إيقاع ومتعة، لطالما استمعت فيه واستمتعت بالصوت الشجي ووجه الفرح والابتسامة المُحلاة .. الفنان أحمد يوسف الزبيدي وهو يغنّي:
“القلـب فـي حيـرة ما بين حـب اثنين..
أعطي لمن قلبي واعطي لمن ذي العين ..
إن قلت للأسمر يا اسمـر أنـا أهـواك..
يجــوّب الأبيـــض با تروح مني فين”
***
صلاح الدين
– عدن “صلاح الدين” .. ميدان الحركة النظامية والطواف الأسود، واللباس المبلل بالعرق .. منطقة الحشد في رأس عباس، وسباق الضاحية من عمق الصحراء المتلوية بالعطش، والمرمى الذي رمينا فيه السهام على الهدف، وحراسة “القاعدة” في رأس عمران..
– الكلية العسكرية في صلاح الدين، ومجالدة الجلد .. الإرادة والطموح والقيادة والرجولة .. الجهد المبذول والعرق المسال أضاحي لانتصار يدرئ كثير من نزيف الدم في المعركة .. الصدارة والتفوق، والفرحة التي لا تُنسى مهما حييت .. أسئلة الوحي المتمردة التي تجوس في أعماقي حيال بعض ما اتعلمه..
– الكلية التي تشربت فيها العسكرية والنظام، وما حبسته من تحفظات وقناعات رافضة لما أراه في غير محل قناعة .. السوية التي تجعلني مع تمردي متصالحا مع النفس، والرغبة التواقة إلى فضاء اوسع من الحرية، حتى أشعر أنني أمارس وجودي الحي، ورفضي للظلم أينما كان..
***
مدينة الشعب
– عدن “مدينة الشعب” التي درست وتفوقت بدراستي فيها، هي نفسها التي أحببت في إحدى كلياتها، وفشلت في الحب بتفوق ايضا .. الخيبة التي تنافست مع تفوق كان .. لطالما شعرت أن فشلي هذا كان متفوقا على نحو منقطع النظير .. مدينة الشعب التعليم الجاد، والحب الذي خاب، والأصدقاء الذي أحببتهم، ولا يتسع المقام هنا لذكرهم..
***
يتبع
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.